فصل: باب فُقراء المهاجرين أول الناس ورود الحوض على النبي صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

.باب منه وذكر الولاة:

ذكر الغيلاني أبو طالب قال: حدثنا أبو بكر الشافعي قال: حدثنا محمد بن غالب قال: حدثنا أمية بن بسطام، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا روح بن القاسم، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة حتى يفكه الله بعدله أو يوبقه بجرمه وقال عمر لأبي ذر رضي الله عنهما: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعته يقول: يجاء بالوالي يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل إلا زال عن مكانه، فإن كان مطيعًا لله في عمله عما مضى فيه، وإن كان عاصيًا لله عز وجل انحرف به الجسر فهوى به في جهنم مقدار خمسين عامًا فقال عمر: من يطلب العمل بعد هذا يا أبا ذر؟ قال: من سلت الله أنفه وألصق خذه بالتراب ذكره أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله.
وروى الأئمة، عن أبي حميد الساعدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمل رجلًا من بني أسد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا أجلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي إليه أم لا لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة إن كان بعيرًا فله رغاء، وإن كان بقرة فلها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت وروى أبو داود عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول.

.باب ما جاء في حوض النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف وسعته وكثره أوانيه وذكر أركانه ومن عليها:

ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن حوض النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعد الصراط، والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط، والثاني في الجنة وكلاهما يسمى كوثرا على ما يأتي، والكوثر في كلام العرب الخير الكثير، واختلف في الميزان والحوض أيهما قبل الآخر، فقيل: الميزان قبل، وقيل: الحوض.
قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل.
قلت: والمعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم كما تقدم، فيقدم قبل الصراط والميزان والله أعلم، وقال أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة، وحكى بعض السلف من أهل التصنيف: أن الحوض يورد بعد الصراط وهو غلط من قائله.
قال المؤلف: هو كما قال.و قد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت إلى أين؟ فقال: إلى النار والله، قلت ما شأنهم فقال إنهم قد ارتدوا على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة أخرى حتى إذا عرفتهم خرج من بيني وبينهم رجل فقال لهم: هلم فقلت إلى أين؟ قال إلى النار والله.
قلت: ما شأنهم قال إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم.
قلت: فهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط، لأن الصراط إنما هو جسر على جهنم ممدود يجاز عليه، فمن جازه سلم من النار على ما يأتي، وكذا حياض الأنبياء عليهم السلام تكون أيضًا في الموقف على ما يأتي.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف: بين يدي الله تعالى هل فيه ماء؟ قال: أي والذي نفسي بيده إن فيه لماء وإن أولياء الله تعالى ليردون حياض الأنبياء ويبعث الله سبعين ألف ملك بأيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء.
مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ، آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضًا من الثلج وأحلى من العسل.
وعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمين أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم فسئل عن عرضه فقال: من مقامي إلى عمان. وسئل عن شرابه فقال: أشد بياضًا من الثلج وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان من الجنة أحدهما من ذهب والأخر من ورق. في غير كتاب مسلم يعب فيه ميزابان من الكوثر الحديث. وفي أخرى ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليه قدح.
مسلم عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفي إغفاءه، ثم رفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحك يا رسول الله؟ قال: نزلت على آنفًا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟.
قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيقال: ما تدري ما أحدث بعدك. وفي رواية أخرى: ما أحدث.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه من الورق، وريحه أطيب من المسك، كيزانه كنجوم السماء من ورد فشرب منه لم يظمأ بعده أبدًا. أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أمامكم حوضًا كما بين جربًا وأذرح فيه أباريق كنجوم السماء من ورد فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدًا.
قال عبيد الله فسألته فقال قريتين بالشام بينهما مسيرة ثلاث. أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن لهو أشد بياضًا من الثلج وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم وإني لأصد الناس كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه، قالوا: يا رسول الله أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم لكم سيما ليست لأحد من الأمم تردون على غير محجلين من أثر الوضوء.
ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لي حوضًا ما بين الكعبة، وبيت المقدس أبيض مثل اللبن آنيته عدد نجوم السماء، وإني لأكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة.
فصل:
ظن بعض الناس أن هذه التحديات في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف وليس كذلك، وإنما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات عديدة وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطبًا لكل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها، فيقول لأهل الشام ما بين أذرح وجربًا، ولأهل اليمن من صنعاء إلى عدن. وهكذا وتارة آخرى يقدر بالزمان فيقول: مسيرة شهر، والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا فكان ذلك بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات فخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها، والله أعلم.
ولا يخطر ببالك أو يذهب وهمك إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة على مسامتة هذه الأقطار أو في الموضع تكون بدلًا من هذه المواضع في هذه الأرض وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط كما تقدم، تطهر لنزول الجبار جل جلاله لفصل القضاء، ويغت: معناه يصب، ويشخب أي يسيل، والعقر مؤخر الحوض حيث تقف الإبل إذا وردته، وتسكن قافه وتضم فيقال: عقر وعقر كعسر وعسر قاله في الصحاح. والهمل من النعم الضوال من الإبل واحدها هامل قاله الهروي والمعنى أن الناجي منهم قليل كهمل النعم، ويقال: إن على أحد أركانه أبا بكر، وعلى الثاني عمر، وعلى الثالث عثمان، وعلى الرابع عليا.
قلت: هذا لا يقال من جهة الرأي فهو مرفوع وقد رفعه صاحب الغيلانيات من حديث حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن على حوضي أربعة أركان. فأول ركن منها في يد أبي بكر، والركن الثاني في يد عمر، والركن الثالث في يد عثمان، والركن الرابع في يد علي رضي الله عنهم أجمعين.
فمن أحل أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر، ومن أحب عثمان وأبغض عليًا لم يسقه عثمان، ومن أحب عليًا وأبغض عثمان لم يسقه على. وذكر الحديث.
باب منه:
ذكر أبو داود الطيالسي: قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني عمرو بن مرة قال: سمعت أبا حمزة عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنتم بجزء من مائة ألف أو سبعين ألف جزء ممن يرد على الحوض، وكانوا يومئذ ثمانمائة أو تسعمائة. والله أعلم.

.باب فُقراء المهاجرين أول الناس ورود الحوض على النبي صلى الله عليه وسلم:

ابن ماجه عن الصنابجي الأحمسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إني فرطكم على الحوض وإني مكاثر بكم الأمم فلا تقتتلن بعدي.
وخرج عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن حوضي ما بين عدن إلى إيلة أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل أكاويبه كعدد نجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدًا، وأول الناس من يرد على الحوض فُقراء المهاجرين: الدنس ثيابا الشعث رؤوسًا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد قال: فبكى عمر حتى ابتلت لحيته فقال: لكني نكحت المتنعمات وفتحت لي أبواب السدد، لا جرم أني لا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ، ولا أدهن رأسي حتى تشعث. خرجه الترمذي.
عن أبي سلام الحبشي قال: بعث إلى عمر بن عبد العزيز فحملت على البريد، قال: فلما دخل عليه، قال يا أمير المؤمنين: لقد شق مركبي البريد فقال: يا أبا سلام ما أردت أن أشق عليك ولكن بلغني عنك حديث تحدثه عن ثوبان عن النبي في الحوض فأحببت أن تشافهني به.
قال أبو سلام: حدثني ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد فذكره بمعناه وقال حديث حسن غريب.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: أول من يرد الحوض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذابلون الناحلون السائحون الذي إذا جنهم الليل استقبلوه بالحزن.

.باب ذكر من يطرد عن الحوض:

البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي، فيقال لي: لا تدرلي ما أحدثوا بعدك.
وعن أبي هريرة أنه كان يتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يرد على الحوض رهط من أصحابي فيخلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري.
مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني على الحوض حتى أنظر من يرد على منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم. وفي حديث أنس فيختلج العبد منهم فأقول: يا رب من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وقد تقدم. وكذلك حديث البخاري إذا زمرة حتى إذا عرفتهم تقدم أيضًا. وفي الموطأ وغيره من حديث أبي هريرة فقالوا: كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك يا رسول الله؟ الحديث. وفيه قال: فإنهم يأتون غرًا محجلين من أثر الوضوء.
فصل:
قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين: فكل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردًا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستحفون بالمعاصي. وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع. ثم البعد قد يكون في حال ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد، وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء يعرفون به، ثم يقال لهم سحقًا، وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهرون الإيمان ويسرون الكفر فيأخذهم بالظاهر. ثم يكشف لهم الغطاء فيقول لهم: سحقًا سحقًا، ولا يخلد في النار إلا كافر جأحد مبطل ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
وقد يقال: إن من أنفذ الله عليه وعيده من أهل الكبائر إنه، وإن ورد الحوض وشرب منه فإنه إذا دخل النار بمشيئة الله تعالى لا يعذب بعطش، والله أعلم.
وروى الترمذي عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي فمن غشى أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد على الحوض، ومنه غشى أبوابهم ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض، يا كعب بن عجرة: الصلاة برهان، والصبر جنة حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وخرجه أيضًا في كتاب الفتن وصححه.
وخرج الأوزاعي أبو عمر في مسنده قال: حدثني عمرو بن سعد قال: حدثني يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: حوضي ما بين أيلة إلى مكة، أباريقه كنجوم السماء أو كعدد نجوم نجوم السماء، له ميزابان من الجنة كلما نضب أمداه، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، وسيأتيه قوم ذابلة شفاههم، لا يطمعون منه قطرة واحدة، من كذب به اليوم لم يصب منه الشرب يومئذ.
وخرج الترمذي الحكيم في نوادرالأصول من حديث عثمان بن مظعون، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في آخره: يا عثمان لا ترغب عن سنتي فمن رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة، وقد ذكرناه بكماله في آخر كتاب قمع الحرص بالزهد والقناعة.